vendredi 24 mars 2017

تاريخ الخلاف حول الحُدود الفاصِلة بين قليبية وحمّام الأغزاز

تاريخ الخلاف حول الحُدود الفاصِلة بين قليبية وحمّام الأغزاز




كثُرَ في الأيّام الأخيرة الحديثُ عن مسألة الحُدُود بيْن قليبية وحمّام الأغزاز من ناحية الجنوب الشّرقيّ، أي البحر القبليّ وسيدي منصور. ورغم أنّ القوانين التّونسيّةَ قد حسَمتْ هذا الخلاف منذ 1959، تاريخ صدور قرار من كاتب الدّولة للداخلية (16 سبتمبر 1959) يتعلّق بإحداث مشيخة ترابيّة وهي "مشيخة حمام الأغزاز" بمعتمديّة قليبية (ولاية الوطن القبليّ)، وكذلك الأمر الرّئاسي عدد 463 المؤرّخ في 23 أفريل 1980 والمتعلّق بإحداث بلديّة حمّام الأغزاز من ولاية نابل. إلاّ أنّ الخلافات والنّزاعات الحُدوديّة والعقّاريّة سرعانَ ما تعود إلى واجهة الأحداث في كلّ مرّة.
وقد وصلَ الأمرُ في بعض الأحيان إلى نشوب معارك افتراضيّة على الفيسبوك بين الغُزّيّة والقليبيّة، وكأنّ الأمرَ يتعلَّق بنزاع دولتيْن أو بمسألة النّزاع العربيّ الاسرائيليّ. والحقيقة أنّ هذا الخلاف ليس جديدًا، بل يعُودُ إلى أكثرَ من قرنَيْن ونصفٍ من الزّمن، والدّليلُ على ذلك هذه الوثيقة التي قُمتُ بتحقيقِها منذ سنواتٍ، وهي نسخةٌ مُصوَّرة عن وثيقة أصليّةٍ قديمة أتاحَ لي تصوِيرَها الأستاذ مصطفى بن الحاج عليّ، وتعود إلى القرن الثّامن عشر، وتحديدًا إلى تاريخ مثل هذا اليوم الاثنين 25 مارس 1754. وبحاشية هذه النّسخة المُصَوَّرة تعليقٌ بخطّ الدّكتور محمّد الهادي بن حمّودة الغُزّيّ يُلخِّصُ فيه أهمَّ ما ورد في الوثيقة.
تكمن أهمِّيّةُ الوثيقة في أنَّها حَسَمَتْ خِلافًا حَدث بين مالِكي هنشير الحمّام القبليّ (الأغزاز) ومالِكِي هنشير بومجّاد (عائلة الزّقلّي: وهي عائلة من قليبية من أصل قُربيّ كانت مالِكة لهذا الهنشير قبل أن تنتقِلَ ملكيّتُهُ إلى أهل حمّام الأغزاز في بدايات القرن التّاسع عشر) حول ملكيّةِ مَنْصِبَيْنِ للسّاف (منصِبا المَلاّحَيْن) مُلاصِقَيْن للبحر، وقد كانَ الحسمُ لفائدة أهل حمّام الأغزاز بعد أن كلَّف الباي "عليّ باشا باي" قائدَ الوطن القبليّ بتعيين خبير (أمين) ليتثبّت ويحكمَ بين الطّرفيْن على عين المكان وبعد النّظرِ في نصوص وثائق الملكيّة التي على ملك الطّرفَيْن المُتنازِعَيْن.
وفي ما يَلِي النَصُّ المكتوبُ مُحَقَّقًا باستثناء بعض الكلمات غير الواضحة نظرا لترهُّلِ الوثيقة وقِدَمِها:
"الحمد لله. لمّا ورد أمرٌ مُطاعٌ مِمَّن تجِبُ لهُ الطّاعةُ والاتِّباعُ، مولانا أمير المؤمنين، المُجاهِد في سبيل ربّ العالمين [ ] علي باشا أعلى اللهُ أيّامَهُ وزيّن بالشّرعِ أحكامَه، مضمونُه أنَّ أهلَ حمّام الأغزاز، ويُعرفُ بالحمّام القبليّ، يطلبون من الأبرّ المذكور أن يُعيّنَ لهم أمينًا عارِفًا يفصِلُ بينهم وبين هنشير بومجّاد المُلاصِقِ لهم من الجهةِ الغربيّة في شأنِ جميعِ المنصِبيْن الذيْن قُربَ شاطئ البحر المعروفَيْن بالملاّحَيْن. والمُخاطَبُ بالأمر المذكور هو المُكرَّم الأجلّ القايد أحمد بن سالم (الغلاف؟) قايد الوطن القبليّ في التّاريخ. فعيّن معهم لتبيين ذلك وتحقيقِه المكرّم الأجلّ الأمين الأعرف أبا الحسن عليّا بن المرحوم بلقاسم قربع القربيّ أمين الوطن المذكور، وأن يُوجِّه معه من العدول مَن يشهدُ على ذلك. فتوجّه إذّاك الأمينُ المذكور للهنشيريْن المذكوريْن ووقف على عينِهما ورُسُومِهما وحُدودِهما، وأحضَرَ أهلُ الهنشيريْن المذكوريْن رُسومَ الملكيّة في ذلك، وقُرِئت على عينِ حُدودِها، فلمْ تشمل المنصبيْن المذكوريْن صريحًا. فتأمَّلَ الأمين المذكور في حُدودِ الهنشيريْن المذكوريْن فلمْ يُلْفَ لأهل هنشير بومجّاد فيهما حقٌّ البتّةَ لفصلِ هنشير الحمّام المذكور بينهما وبينه. ثمّ تتبّع حدَّ هنشير الحمّام المذكور إلى آخِره من جهةِ القبلةِ حتّى انتهى حدُّهُ. ثمّ نظر إلى جهةِ المشرِق، فإذا المنصبان المذكوران يشملهُما الحدُّ الشّرقيّ لأنّه قال فيه: "وشرقًا شاطئ البحر"[ ] بشاطئ البحر المذكور. فاقتضى إذّاك نظرُه السّديدُ ورأيُهُ الرَّشيد أنّ المنصبيْن المذكوريْن من حقوقِ هنشير الحمّام المذكور إذا أُقيمَ الحدُّ الشّرقيّ مستقيمًا حتّى يصِلَ إلى البحر المحدودِ به من الجهة الشّرقيّة، ولا حقَّ لأهل هنشير بومجّاد المذكور في شيء من ذلك البتّةَ. فقال حينئذٍ الأمين المذكور أيَّدَ دينَ اللهِ به وأتحفَهُ إنّ المنصبيْن المذكوريْن من حقوق هنشير الحمّام المذكور فقط بعد إمعان النّظرِ في ذلك والتّأمّل التّامّ. وحضر إذّاك من أهل هنشير الحمّام المذكور المُكرَّم سالم بن غُزّيّ وحمودة بن عمر غُزّيّ والأشقّاء محمّد وعليّ والحاج سالم أبناء المكرّم عبد الدّايم بن غُزّيّ. وحضر من أهل هنشير بومجّاد المذكور المكرَّم حسن بن حسين الزّقلّيّ الحنفيّ والمكرّم عليّ بن أحمد الزّقلّيّ الحنفيّ والمكرّم رجب بن [ ] الزّقلّيّ الحنفيّ أيضا ورَضُوا بالأمين المذكور وبقولِه الرِّضى التّامّ. شَهِدَ على إشهادِهم بذلك وعلى قول الأمين المذكور مَن حضر منهم وجميع [  ] أوائل جمادى الثّانية سنة سبع وستين ومائة وألف [ ]" [الاثنين 25 مارس 1754].
تحقيق: مزار بن حسن
المصادر: